يوما ما
عندما يبدأ مارس..تتحاشى النظر في النتيجة, وتتعجب لم تمتلك نتيجة في كل غرفه
ألا يكفى واحده فقط, أم أنها مضطرة لمصافحة تلك الحروف الأربع كلما توقفت بنظرها
بحثا عن شيئ ما, بداخلها تعلم جيد انه بدأ, حتى الجو هو الآخر يعلم انه بدأ ,فيسود
طقس غريب حائر مثلها, متقلب كمزاجها دائما ثائر حاد كطباعها.
يوما ما
يمضى الوقت متثاقلا ,ولا جديد يلوح في الأفق , تتناول سماعة
الهاتف تتطلب رقما اعتادت طلبة يأتيها صوت مألوف لديها يرحب بها, يتبادلون المقدمة
المعتادة ,تقاطعها صديقتها فجأة قائلة: "أنا محتارة أوي", ترد في قلق "ليه
خير حصل حاجه ولا ايه...؟",تخبرها في توتر "انتِ عارفه انه عيد الأم قرب
وأنا محتاره أجيب إيه لحماتي
" ,تصمت للحظات فهي لا تريد ان تجرحها برد سخيف او ان
تنتقص من سعادتها, فهى مازالت عروسة لم تكمل عدة اشهر,هى حقا لاتريد ان تنتزع فرحة
صديقتها الوحيده, بتلك المهمة الجديدة والتى من وجهة نظرها هى امر هام يدعو للحيرة
والقلق ...تبتسم غصبا وتخبرها انها طول عمرها ذوقها حلو فى الهدايا واكيد هتتوصل
لهدية مناسبة, وتهديها قائلة "ماتقلقيش ياحبيبتى" .
يوما ما
تشرد بذهنها طوال مدة المحاضرة ,لاتدرى فى ماذا شردت ولكن
يبدو من ملامحها انها تفكر بعمق ,يقطع شرودها كلمة الدكتورة (فتدمر الخلية الأم) تنتبة
فجأة وتحدث نفسها قائلة بحزن "حتى الخلية ليها ام ",تنتهى المحاضره ولا
ينتهى شرودها وحزنها تحمل اشيائها فى سكون وترحل سريعا عن المكان .
يوما ما
تخرج وحيدة لتغير جو ,تتمشى فى الشوارع بدون هدف ,تتعجب
فجميع المحلات ترتب فاترينتها ,ربما بسبب موسم التخفيضات او مايسمى بالـ(sale),حتى
المحلات تتأمر على الناس الغلبانه فبدلا من كتابة كلمة (%50 sale)اصبحت
(up
to %50 sale)الفرق بينهم كبير ,تتعجب من النصب اللذى يحيط بها من كل جانب ,احدهم
وقف ليكتب بالالوان على زجاج احد الفاترينات (خصومات وتخفيضات هائلة بمناسبة ع...)تستنج
الباقى ,سيكملها لتصبح (بمناسبة عيد الأم)...تعبر الطريق وتقفز فى احد
الميكروباصات وتنهى رحلتها القصيره .
يوما ما
تفتح التلفاز لمشاهدة اى شئ تافه فمزاجها لايسمح بمشاهدة شئ
جاد, تجد ذلك المسلسل الحمضان اياه ,تحول باستمرار حتى تجد شئ تافه لم تشاهده من
قبل ,يمر فاصل اعلانى طويل ممل سخيف ,ويأتى مسلسل ما......... لم تمر ربع ساعه حتى
هاجمها فاصل اعلانى اخر ,تصيح فى غضب "الله يحرقكم هو الاعلانات طلعلها مسلسل
",تحاول الاتفقأ مرارتها وتتحمل بواخة الاعلانات حتى يهاجمها ذلك الاعلان ,"عيد
الام قرب محتار تهديها بايه الاسورة العجيبة المريبه الخطيرة السحريه من المركز
العالمى اللى واخد كام جايزه بتاع دكتور خالد ابو طاقيه "بالذمه ده اسم دكتور
ومنين جاب العالمية" لا تتحمل اكثر من هذا تغلق التلفاز وهى مازالت تردد "الله
يحرقكم " ثم تذهب لتنام ...
يوما ما
تتحدث مع اختها فى الهاتف ,فتقاطعها اختها كعادتها دائما
قائلة"بقولك ايه تفتكرى اشترى ايه لحماتى عشان عيد الام"فى سرها تردد "حتى
انتى"........., تنهى المحادثه بحجه مناسبة "بصى انا سايبه الفرن فى
العيش يسخن زمانه اتحرق سلام" ثم تستعيد ماقالته الفرن فى العيش تيجى ازاى ....تبتسم
فى مرارة وهى تتعجب كيف لاختها ان تسألها هى الأخرى عن ذلك العيد المقيت ,وكيف
تردد تلك الكلمه فما ان ترى حماتها حتى تخاطبها قائله "ازيك ياماما" ,ماما
ازاى يعنى؟ ,تريد ان تنهاها عن ذلك وتمنعها اسباب كثيره لا تعلمها ,ولكنها متأكدة
انها ليست مثل امها فلماذا تناديها باامى وتفكر هل عدة شهور هى مدة زواجها كافيه
لان تكون امها وتنال ذلك اللقب النفيس .
يوما ما
تركب تاكسى ,فتكتشف ان السائق روش ومشغل اذاعة نجوم اف ام ,الطريق
واقف والجو حر والفواصل الإعلانية لا تمل ولكنها ليست اعلانات عادية على مدار نصف ساعه قضتها فى التاكسى استمعت الى حملة ترويج مستفزة على شاكلة "كل سنة وانتى طيبه يامامتى وبعودة الايام "لانتدهش
من نهاية الاعلان" وبريل وبرسيل من بدرى جايين يهنوكى دايما على طول السنين", "اكيد محتار ومش عارف تجيب ايه فى عيد الأم اطلب 8000
من موبينيل 8000 8000يااحمد", "ياامى مهما اقول ليكى مااقدرش اوصف احساسى لينتهى
بجيتلك وفى ايديا هديه جيتلك ومعايا كريازى", "احلى مفاجأة فى عيد الام قدم لست الحبايب بطاقة كريدى
اجريكول مصر المدفوعه مقدما وخليها تختار هديتها بنفسها", لتستمر حرقة الدم بقصص عن" عمرو ذلك الاحمق اللى نزل يشترى هدية عيد الام يوم 21
فوجد زحام شديد فقرر يشترى ورد ولكن محل الورد قلب كشرى والتقليه ريحتها تجنن", "وعن الابن الملكوم الذى وجد امه واقفه تبيع شنط على
ناصية الشارع نتيجة غباؤه ,وتراكم الشنط عندها ,لان الموكوس كل سنه يجيب شنطه فكان
الحل هو بطاقة النساجون الشرقيون ام 500جنيه وخليها تجيب اللى فى نفسها", "وكله كوم وذلك الابن البار بامه كوم تانى فأمه
مرتبتها عنده ماتتوصفش وأمه دايما تحتل المرتبه الاولى لتكتشف فى الاخر انه اعلان
مراتب", وبعد ان استشاطت غضبا و اوشك السائق على شم رائحة شياط
اعصابها وفيوزات مخها اللى ولعت ,صرخت فيه فاتخض, خاطبته بذعر قائلة "على جنب
يااسطى لو سمحت" فقال لها "خير ياانسه انت مش قلتى قدام ايه هينزلك هنا"
فاخبرته انها نسيت حاجه وهتنزل تجيبها واكملت طريقها مشيا على الأقدام.
يوما ما
نزلت تشترى صابون ولبن وزبادى من السوبر ماركت ,وما ان وطأت
بقدمها المكان حتى فاجأها سيل من العروض والبوسترات والبرشورات والتى مفادها (خصم
خاص او عرض خاص) (مهرجان فريش لعيد الام) (اشترى طقم وخد طقم هدية)(احلى هدية لست
الحبايب) ,بحثت سريعا عن ماجاءت من اجله وكلما مرت بنظرها بين الارفف باغتتها تلك
الكلمات المخيفه ,"( دوف شاور جل 250 مل + دوف هاند ووش 450 مل + دوف صابون 100
مل عرض خاص بمناسبة عيد ... ) "الله يحرقكم الله يحرقكم فى ايه" ...
يوما ما
ارادت صنع اكله مخصوصه لتعديل حالتها النفسية المتدهورة
فتحت التلفاز وضغطت سريعا على الارقام فظهرت تلك القناة المخصصه لفن الطهى فى
الشرق الاوسط كما يطلقون عليها ,ابتسمت عندما رات الشيكولاته تنساب فى هدوء فتغطى
مسام الكيك الذهبى اللون ,انتهت الحلقه وكتبت الوصفه فانطلقت المذيعه فى مرح ودى
كانت اجمل هديه مننا لكل ام بمناسبة ....اغلقت التلفاز وهى تردد "الله يحرقكم"
.
يوما ما
خرجت مع صديقتها لشراء طرحه, وبعد ان وجدتا محلا صغيرا به
ماتريدان وبعد فصال وجدال مع البائع على الثمن, وبعد ان وضع لها مااختارته فى شنطه
بلاستيكيه ابتسم فى خبث قائلا "مش عايزه تشوفى حاجه جامده اووى تنفع لماما
بمناسبة عيد ال.....", رمقته بنظرة نارية وتركت الكيس بالطرحه واخبرته آسفه
انها نست محفظة الفلوس ولن تشترى الطرحه وانصرفت مع صديقتها فى لمح البصر وذابت
وسط الزحام تاركه البائع خلفها مندهشا من تصرفها المجنون.
يوما ما
كرهت كل السائقين وكل وسائل المواصلات وكل شئ يخرج صوت حتى
لوكان كلب بيهوهو فى الشارع, تحيط بها النغمات فى كل مكان وتحاصرها "ست الحبابيب ياحبيبه" ..."ماما ياحلوة"..."امى ثم امى"..."الست دى امى"..."امى الحبيبة"..."بحبك ياامى"
مرورا باغنية تموره "امى"...وانتهاءا باغنية بتاع الحمير واوعى حد يزعل "امى"...تمنت لو صرخت فيهم جميعا قائلة "فلتذهبوا للجحيم".
يوما ما
رن هاتفها ففتحته لتجد رساله غريبه"حمل واهدى أغنية فايزة أحمد ست الحبايب من قسم عيد
الأم على 4444 بـ1.5 ج المرسل 4444"فقررت انها ماعادت فى حاجه لذلك الهاتف
الملعون واغلقته.
يوما ما
كرهت الدنيا باللى فيها وملت من ترديد "الله يحرقكم"
لانها وجدتها لاتأتى بنتيجه ومابيتحرقوش ,وجلست امام شاشة الكمبيوتر لعل به جديد
لايستحق السب ,تصفحت سريعا الاخبار ,اخر الرسائل الواردة ,فكرت فى خمول ان تفتح
صفحتها على موقع التواصل الشهيرالـ(facebook) لتجد الجميع غارقين حتى اذانهم فى صور
ونوتس وتهانى وافكار وبلاوى سوده لها علاقه بذلك اليوم فقررت انها سكتت كثيرا وانه
آن الأون ان يثور البركان سارعت لتغير ال(status)الخاصه بها ,محذرة الجميع..... من ان يذكر
احدهم امامها تلك الكلمات او اى شئ له علاقه بالعيد المشئوم, فاجأها ان هناك اناس
يتمتعوا بالرقص على جروح الأخرين ...كتب احدهم كومنت سخيف تعليقا على الـ(status)بتاعها فاكتفت بـ(no comment).
يوما ما
ذهبت لتنام بعد ان تأكدت انه لايوجد احد تحت فراشها,فالبارحه
اثناء نومها فاجأها شخص ما احمق, ثرثار, طلعلها من تحت السرير ليسألها بالحاح
وغباء هتجيبى ايه فى عيد الام,لالالا ارحموووونىاستيقظت من النوم مفزوعه تردد فى يأس "الله يحرقكم".
يوما ما...تمنت ان ينتهى مارس ويمر بهدوء كما بدأ دون ان
يداهمها الاكتئاب,
يوما ما...تمنت ألا تشعر بأن كل شئ حولها يذكرها بما لا
تنساه مطلقا,
يوما ما ...تمنت ألا ينتابها احساس العجز والحرمان الذى
يراودها دائما ,
يوما ما...تمنت ان يمتنع الجميع عن الإحتفال دونما مرعاة
لشعور الآخرين,
يوما ما...تمنت ألا يأتى مارس ابدا ولكن الأمانى كالمعجزات
ماعادت تحدث,
يوما ما...تمنت ان تمشى فى الشوارع دون ان تجرحها الكلمات
كالخناجر,
يوما ما...تمنت الا تحمل هم مارس بما يحمله من سخافات,
تركت نفسها للحزن واستسلمت له فى يأس,
انسابت دموعها فى حرقه على وجنتيها,
بكت بحرارة وخرج ذلك المارد الغضب مرددا "فلتحل اللعنة
على الجميع ,
فليذهب للجحيم من لايشعرون بجراح الآخرين "
اغتالتها ابتساماتهم الكاذبة وسعادتهم الزائفة,
حاولت كثيرا ألا تظهر عقدتها التى تحاول اخفاءها باستمرار,
موت امها ليس ذنبها وهى لاتطلب تعاطف من حولها او الشعور
بأزمتها
لكن من حقها أن تحيا بآلامها في هدوء دون استفزاز وتأجيج
لتلك المشاعر الغاضبة بداخلها,,
تمارس طقوس وحدتها في وقار فلما لا يدعونها وشأنها.يوما ما
عندما يبدأ مارس تنتهي هي إهداء إلى كل من يزعجهم مارس بقدومه.