الصفحات

ثوب أمي


جلستُ إلى جوارها وهى على فراش المرض أتأملها في صمت, أريد ألا يقلقها وجودي ولا حتى صوت دمعي.استيقظت رغم حرصي هذا فنظرت إلي في حب وحنو كعادتها مدت يديها المرتجفة التي جفت عروقها من شدة المرض واحتضنت وجنتي تطمئنني دون أن تنطق.
 هل يمكن أن تقتلك نظره نظراتها تلك تقتلني هي تودعني تريد أن تودعني وتطمئنني, رغم سنواتي العشرين لا زلت طفلتها ولا زالت هي أمي التي لا ملجأ لي سواها بعد خالقي ولا اعلم ما العمل.تُحدثني عيناها بما لا تقوى شفتاها على قوله:"نعم سأموت ولكن لا تجزعي يا صغيرتي فدائما سأكون بجوارك دائما سأكون معكِ أراقبك من بعيد فأحسني التصرف, سأنضم إلى أولئك الملائكة بيض الوجوه والجنيات الصغيرات ذوي الأجنحة الملونة كالفراشات, أتذكرين يا ليلى؟ كم كنت أحكى لكِ عن أنهم دائما يراقبوننا من أعلي ويحبوننا ويشعرون بنا ,وقتما تفتقدينني انظري إلى أعلى, أغمضي عينيكِ وستجدينني",أمي أنا الآن لا أصدقك ولم اعد اصدق حكاياتك السحرية تلك, أنا لا أريدها ولكنني فقط أريدك أنتِ ..أعلم أن دموعي تلك التي غطت يديكِ تؤلمكِ ولكن لا حيلة لي سواها أدعوا الله أن لا يأخذكِ مني هل هذا كثير؟!
إجاباتك دائما يا أمي تأتي على عكس هوايَ "ليلى: حان ميعادي ولا بد أن ارحل فالجميع يرحلون سأرحل كما رحل أبي وأمي وأخواتي لا تقلقي يوما ما سيأتي دورك وترحلين هذه هي الحياة ماذا دهاك؟! يا ابنتي كأنكِ مازلتِ ليلى الصغيرة ذات الثلاث سنوات تتعلقين بثوبي وتبكين"
"ليلي: ثوبي هذا أين هو أريد ارتداءه أتذكرين مكانه "
"نعم يا أمي أتذكره "
"فلتحضريه"
"أعانقها وأطمئنها حسنا سأحضره حالا "
"ليلى: كنت تكرهينه رغم أنه كان ثوبي المُفضل"
نعم يا أمي كنت أكرهه لأن ارتداءكِ له كان إشارة على رحيلك كنت اعلم انك ستذهبين بعيدا وانك ستتركينني بصحبة أخوايا وكان هذا يحزنني كثيرا كنت أخاف ألا تعودين.
"عزيزتي: أرأيتِ كانت كلها مخاوف وهواجس لديكِ فقط وكنت في كل مره أعود لأجدك أمام المنزل تنتظرين على ذلك المقعد في شرود و عيناك كثمرتي رمان من كثرة البكاء احتضنك فتستكيني وتطمئني لوجودي, ها هي مخاوفكِ تعود من جديد ولكن صدقيني سأرحل نعم ولكني دائما سأكون معكِ ثقي من هذا.ستجدينني دائما هنا (و وضعت كفها على قلبي تربتُ عليه ببطء)" أنا في قلبك للأبد كما أنكِ دائما في قلبي"
ابتسمتُ وغالبتُ ذلك الإحساس بالعجز ومرارة الحزن تملأ حلقي, سأذهب لأحضره لكِ.
عدتُ ولكن يبدو أنني عدت متأخرة غافلتني أمي ورحلت كما كانت تفعل قديما.مرت ثلاث سنوات ولازلت أتذكرها وأبكي ,ولم اعد أكرهك أيها الثوب فأنت كل ما تبقي لي منها, أشمه وأتنفس فيه عطرها وأحتضنه أُغمض عينيَّ وأتطلع للسماء كضوء ساطع أراكِ تأتين من بعيد ترتدين ثوبك الأزرق الهادئ تزينه زهرات أقحوان صغيرة بيضاء بقلوبها الصفراء الساطعة تلقين حقائبك أرضا وتتطلعين إلىَّ في إشفاق تحملينني برفق وتجلسينني على قدميكِ وتحدثيني: بكيتي مجددا هاأنا يا ليلى كنت اشترى لك الحلوى التي تحبينها تحتضنينني وتجففين ما بقي من دموعي تربتين على قلبي ثلاثا اطمئني, لقد عدت, أنا هنا كفي حزنا.

(أمي ليتكِ لا ترحلين مجددا)

هناك 4 تعليقات:

  1. رائعه .. صادقه .. مؤثره
    ابكتني هذه الــ ليلي .. لساعات

    اعز الله غربتها .. وزأنس وحشتها .. وتقبل حسناتها .. وتجاوز عن سيئاتها .. وحشرها مع المتقون والأبرار

    اللهم آمين

    ردحذف
  2. عزيزتي هبه دُمتِ في ود ,وسلمت يداك على تعليقك الرائع.

    ردحذف
  3. عزيزتي شذا عذرا على آلمك ,أسعدني مرورك وتعليقك الكريم.

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

LinkWithin



Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...